حمدت من عظمت منته ، وسبغت نعمته ، وسبقت غضبه رحمته ، وتمت كلمته ، ونفذت مشيته ،وبلغت قضيته .
حمدته حمد مقر بربوبيته ، متخضع لعبوديته ، متنصل من خطيئته ، متفرد بتوحيده ، مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته وبنيه .
ونستعينه ونسترشده ونستهديه ، ونؤمن به ونتوكل عليه . . .
وشهدت له شهود مخلص موقن وفردته تفريداً مؤمن متيقن ووحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه ولم يكن له ولي في صنعه ، جلّ عن مشير ووزير وعن عون ومعين ونصير ونظير علم فستر وبطن فخبر وملك فقهر وعُصي فغفر ، وحكم فعدل ، لم يزل ولن يزول ليس كمثله شيئ ، وهو بعد كل شيئ رب متعزز بعزته ، متمكن بقوته ، متقدس بعلّوه ، متكبر بسموه ، ليس يدركه بصر ولم يحط به نظر ، قوي منيع ، بصير سميع ، رؤوف رحيم ، عجز عن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد ، وبد فقرب ، يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ذو لطف خفيّ ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة ، وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة ، وعقوبته جحيم ممدوة موبقة وشهدت ببعث محمد رسوله وعبده وصفيه ونبيه ونجيه وحبيبه وخليله ، بعثه في خير عصر، وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده ، ومنة لمزيده ختم به نبوته ، وشيد به حجته ، وبلغ وكدح رؤوف بكل مؤمن ، رحيم سخيّ رضيّ وليّ زكيّ عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم ، من رب غفور رحيم ، قريب مجيب وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربكم ، وذكرتكم بسنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم ، وخشية تذري دموعكم وتُقية تنجيكم قبل يوم يبليكم ويذهلكم يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ولتكن مسئلتكم وتملقكم مسئلة ذل وخضوع ، وشكر وخشوع ، بتوبة نزوع وندم ورجوع وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره ،قبل تكبر وتهرّم وتسقم ، يمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع عمره ، ويتغير عقله ، ثم قيل : هو موعوك ، وجسمه منهوك ثم جُدّ في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد ، فشخص بصره وطمح نظره ورشح جبينه وعطف عرينه وسكن حنينه وحزنته نفسه ، وبكته عرسه، وحفر رمسه ويَتُمَ منه ولده وتفرق منه عدده وقُسم جمعه ، وذهب بصره وسمعه ومُدّد وجُرّد وعُرّي وغُسل ونشّف وسجّي وبسط له وهيئ ونُشر عليه كفنه ، وشُدَّ منه ذقنه وقُمص وعُمّم ،وودّع وسلّم وحمل فوق سرير ، وصلي عليه بتكبير ونُقل من دور مزخرفة وقصور مشيدة ، وحُجر منجّدة وجعل في ضريح ملحود وضيق مرصود بلبن منضود مسقف بجلمود وهيل عليه حفره ، وحُثي عليه مدره وتحقق حذره ونُسي خبره، ورجع عنه وليه وصفيه، ونديمه ونسبيه ، وتبدل به قرينه وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين قفر يسعى بجسمه دود قبره ، ويسبل صديده من منخره ، يسحق تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرمّ عظمه ، حتى يوم حشره، فنشر من قبره حين ينفخ في صور ويُدعى بحشر نشور فثّم بعثرت قبور وحصلت سريرة صدور وجيئ بكل نبي وصدّيق وشهيد ، وتوحد للفصل قدير بعبده ، خبيربصير، فكم من زفرة تُضنيه ، وحسرة تنضيه ، في موقف مهول ومشهد جليل ، بين يدي ملك عظيم ، وبكل صغير وكبير عليم ، فحينئذٍ يلجمه عرقهُ ويحصره قلقه ، عبرته وصرخته غير مسموعه، وحجته غير مقبوله، كُشفت جريدته ونُشرت صحيفته نظر في سوء عمله وشهدت عليه عينه بنظره ويده ببطشه ورجله بخطوته ن وفرجه بلمسه ، وجلده بمسه، فسلسل جيده ، وغُلت يده وسيق فسحب وحده، فورد جهنم بكرب وشدّة فظل يعذب في جحيم ويُسقى شربة حميم تشوي وجهه وتسلخ جلده ، وتضربه زبنية بمقمع من حديد ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنم يستصرخ فيلبث حقبة يندم ، نعوذ برب قدير، من شر كل مصير ونسأله عفو من رضي عنه ، ومغفرة من قبله ، فهو ولي مسئلتي ومنجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه، جُعل في جنته بقربه ، وخُلد في قصور مشيدة ، ومُلك بحور عين وحفدة وطيف عليه بكؤوس وسكن في حظيرة قدس وتقلب في نعيم وسُقي من تسنيم وشرب من عين سلسبيل ومزج له بزنجبيل مختّم بمسك وعبير مستديم ، للملك مستشعر للسرور ، يشرب منخمور من روض مغدق ليس يصدع من شربه وليس ينزف ، هذه منزلة من خاف ربه وحذر نفسه معصيته ، وتلك عقوبة من جحد مشيئته وسولت له نفسه معصيته فهو قول فصل وحكم عدل وخبر قصصص قص ووعظ نص (تنزيل من حكيم حميد ) نزل به روح قدس مبين على قلب نبي متهدٍ رشيد صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة عذتُ بربٍ عليم ، رحيم كريم من شر كل عدوٍ لعين رجيم فليتضرع متضرعكم ، وليبتهل مبتهلكم ، ويستغفر كل مربوب منكم لي ولكم ، وحسبي ربي وحده . . .
الكاتب : الأمام علي بن ابي طالب ( عليه السلام)